الشمس تشرق مرتين يطل بعينين لماحتين، يفتحهما ببطء، كأنما شمس كسولة تدلل ظهر الأرض بأول خيط ضوء، يتثاءب الفم الصغير كبتلات جوري خجولة تتفتح على مهل، يراك، يتأملك و يرسم على صفحة الوجه المدور ابتسامته التي تبعث في القلب المدمي بريق من أمل و فرح سري خاطف وشيء من حياة.
يتمتم بكلام كترنيمه بلبل ساذج يجرب التغريد لأول مرة. ما أجمل صحوة الطفل الصغير كأنها الحياة كلها تصحو، تنتفض و تبدأ نهارها من جديد، نهار بلا تعقيدات أو هموم ، براءة ساذجة يوزعها بخفة دم فطرية على كل شيء و كأنها سحر وكأنه ساحر يجمد ولو لحظة نكد يوم طويل و يحقنك ببلسم السعادة الطفولي ليدفئ لكل ما تبقى من قلبك و لا يمكنك إزاء هذا كله إلا أن تمسكه و تضمه إليك لتتجرع كل هذا الترياق دفعة واحدة علك ترجع طفلا مرة أخرى.
يعيد الحياة إلى صفرها يقفز مثل نحلة تنتقي أزهارها و يشاكس يداعب يمتطي يركض يقع يقف ويدور مثل دوري يداعب عصفورته.
ستطحنك الحياة بعد قليل، تدق عظامك الواهنة على سنداتها، و تذيب ما تبقى بأسيادها، تعجنك و تخبزك ككل مرة لا شيء يردعها و لا طلابها سير حموك، كل مواد المذبح قائمة و الضحية أنت، لقمة العيش، رغبة الحي بالحياة، أحلام مؤجلة و هواجس خفية بغد أفضل كل ذلك لا يصمد عند دوران أول مسنن من آلة العجن … الحياة. يبقى لك بعد كل هذا أن تعود، أن يركض باتجاهك فاتحاً ذراعيه الصغيرتين مبتسماً تضمه ليعيد لكل الحياة من جديد، و يدفئ قلبك و يهمس بإذنيك …بابا.